فصل: الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الحَادِي عشر وَالثَّانِي عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ- بعد اعْتِبَار جعل الْبَيْت عَلَى يسَار الطَّائِف ومحاذاة الحَجَر بِجَمِيعِ الْبدن-: وَإِنَّمَا اعْتبر لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام كَذَلِك طَاف وَقَالَ: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم».
هَذَا الحَدِيث كُله صَحِيح، فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لما قدم مَكَّة أَتَى الْحجر فاستلمه، ثمَّ مَشَى عَلَى يَمِينه فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا» وَفِيه أَيْضا من حَدِيث جَابر، قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَته يَوْم النَّحْر وَيَقُول: لِتَأْخُذُوا عني مَنَاسِككُم؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه» وَفِي رِوَايَة للبيهقي بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح فِي بَاب الْإِسْرَاع فِي وَادي محسر: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم، لعَلي لَا أَرَاكُم بعد عَامي هَذَا» وَفِي رِوَايَة للنسائي بِإِسْنَادِهِ فِي بَاب الرّكُوب إِلَى الْجمار «رَأَيْت رَسُول الله يَرْمِي الْجَمْرَة وَهُوَ عَلَى بعيره وَهُوَ يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس، خُذُوا عني مَنَاسِككُم فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد عَامي هَذَا».

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «نذرت أَن أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي الْبَيْت، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: صلي فِي الْحجر؛ فَإِن سِتَّة أَذْرع مِنْهُ من الْبَيْت».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب كَذَلِك، وَالْمَعْرُوف مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَنْهَا، قَالَت: «كنت أحب أَن أَدخل الْبَيْت فأصلي فِيهِ، فَأخذ رَسُول الله بيَدي فَأَدْخلنِي فِي الْحجر، فَقَالَ لي: صلي فِيهِ إِن أردْت دُخُول الْبَيْت؛ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَة مِنْهُ، وَإِن قَوْمك اقتصروا حِين بنوا الْكَعْبَة فأخرجوه من الْبَيْت».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَفِي رِوَايَة للنسائي: «قلت: يَا رَسُول الله، أَأدْخل الْبَيْت؟ قَالَ: ادخلي الْحجر؛ فَإِنَّهُ من الْبَيْت».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِلَفْظِهِ عَن عَائِشَة: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحجر، فَقَالَ: هُوَ من الْبَيْت. قلت: مَا مَنعهم أَن يدخلوه فِيهِ؟! قَالَ: عجزت بهم النَّفَقَة» وَفِي مُعْجم الْإِسْمَاعِيلِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الترجماني، نَا شُعَيْب بن صَفْوَان، عَن عَطاء، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَائِشَة، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، كل نِسَائِك قد دَخَلْنَ البيتَ غَيْرِي! قَالَ: فاذهبي إِلَى ذِي قرابتك- إِلَى شيبَة- فليفتح لَك الْبَاب قَالَت: فذهبتُ إِلَى شيبَة فَقلت: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تفتحَ لي الْبَاب قَالَ: رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَرَك؟ قلت: نعم. فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: «يَا نَبِي الله، أمرت عَائِشَة أَن يُفْتَحَ لَهَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: واللهِ مَا فتحتُ فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام بليلٍ قطّ. قَالَ: فاذْهَبْ فاصَنَعْ مَا كنت تفعل؛ واذْهبي أنتِ يَا عَائِشَة فصلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي الْحجر، فَإِن طَائِفَة مِنْهُ فِي الْبَيْت، وإنَّ قَوْمك قصرت بهم النَّفَقَة فتركوا طَائِفَة من الْبَيْت فِي الْحجر» وَرَوَاهُ ابْن الْمُغلس عَن أَحْمد بن أبي خَيْثَمَة، عَن سُرَيج بن النُّعْمَان، نَا أَبُو معشر، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن أهل الْجَاهِلِيَّة اقتصروا فِي بِنَاء هَذَا الْبَيْت فادخلي الحِجْر وصَلِّي عندَ الْبَيْت؛ فإنَّ ذَلِك من الْبَيْت».
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ ذكر هَذَا الحَدِيث فِي تَقْرِيره أَن سِتَّة أذرعٍ من الحِجْر فَقَط من الْبَيْت، ويغني عَنهُ الحَدِيث الصَّحِيح عَنْهَا فِي تَقْرِيره بذلك، وَقد أسلفت فِي الحَدِيث الْعَاشِر اضْطِرَاب الرِّوَايَات فِيهِ.

.الحديث الرَّابِع عشر وَالْخَامِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف سبعا وَقَالَ: خُذُوا عني مَنَاسِككُم».
أما كَونه «طَاف سبعا» فَأخْرجهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر ومُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا سلف. وَأما قَوْله: «خُذُوا عني مَنَاسِككُم» فَتقدم بَيَانه قَرِيبا.

.الحديث السَّادِس عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فرغ من طَوَافه صَلَّى رَكْعَتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ: «قدم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سبعا ثمَّ صَلَّى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ».
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، كَمَا سلف فِي الْبَاب قبله.

.الحديث السَّابِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صَلَّى بعد الطّواف رَكْعَتَيْنِ تَلا قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى}».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جَابر الطَّوِيل، وَقد سلف فِي الْبَاب قبله، لَكِن ظَاهره أَنه تَلا هَذِه الْآيَة قبل الصَّلَاة كَمَا مرّ، وَكَذَا رِوَايَة ابْن حبَان فِي صَحِيحه: «فَلَمَّا فرغ من طَوَافه انْتقل إِلَى الْمقَام، فَقَالَ: قَالَ الله: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} وَصَلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ» وَكَذَلِكَ رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: «فَلَمَّا طَاف ذهب إِلَى الْمقَام، وَقَالَ: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} فَصَلى رَكْعَتَيْنِ».

.الحديث الثَّامِن عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي حَدِيث الْأَعرَابِي: «لَا إلاّ أنْ تَطَّوع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي أول الصّيام.

.الحديث التَّاسِع عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي رَكْعَتي الطّواف فِي الأولَى: {قل يأيها الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَة: {قل هُوَ الله أحد}».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح؛ رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل كَمَا أسلفناه، وَرَوَاهُ البيهقيُّ بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طافَ بِالْبَيْتِ، فَرَمَلَ من الحَجَر الْأسود ثَلَاثًا ثمَّ، صلّى رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا: {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} و{قل هُوَ الله أحد}». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا وجدتُهُ، وَإسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم.

.الحديث العشْرُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف رَاكِبًا فِي حَجَّة الْوَدَاع».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَله طرق:
إِحْدَاهَا: من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف فِي حجَّة الْوَدَاع عَلَى بعيرٍ، يسْتَلم الركنَ بمحجن». أَخْرجَاهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: وَقع ذكر الْبَعِير فِي أبي دَاوُد دون مُسلم، وَاعْترض بذلك عَلَى عبد الْحق، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ؛ فَهِيَ ثَابِتَة فِيهِ كَمَا فِي البُخَارِيّ أَيْضا وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَنهُ: «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ وَهُوَ عَلَى بعير، كلما أَتَى عَلَى الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْء فِي يَده، وكبَّرَ».
ثَانِيهَا: من حَدِيث جَابر بْنِ عبد الله قَالَ: «طَاف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَيْتِ فِي حجَّة الْوَدَاع عَلَى رَاحِلَته، يسْتَلم الْحجر بِمِحْجَنِهِ لِأَن يرَاهُ النَّاس، وليشرف، وليسألوه؛ فَإِن النَّاس غشوه». رَوَاهُ مُسلم كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وبالصفا والمروة». وَرَوَاهُ البُخَارِيّ إِلَى قَوْله: «بِمِحْجَنِهِ».
ثَالِثهَا: من حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: «طَاف النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع حول الْكَعْبَة عَلَى بعير يسْتَلم الركنَ، كَرَاهِيَة أَن يُصْرَفَ عَنْهُ الناسُ». رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ.
رَابِعهَا: من حَدِيث أبي الطُّفَيْل قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف بِالْبَيْتِ، ويستلم الرُّكْن بمحجن مَعَه، وَيُقَبِّلُ المحجنَ». رَوَاهُ مُسلم، وَقد ذكره الرافعيُّ بعد، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ أَكثر طَوَافه مَاشِيا، وَإِنَّمَا ركب فِي حجَّة الْوَدَاع ليراه النَّاس فيستفتونه. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد تقدم كَذَلِك فِي حَدِيث جَابر الطَّوِيل السالف. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا طَاف رَاكِبًا لشكوى عرضت لَهُ». فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد تفرد بهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: وَلَا أعلمهُ اشْتَكَى فِي تِلْكَ الْحجَّة. وَفِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث ابْن عمر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف رَاكِبًا يَوْم الْفَتْح، وَهَذَا لَفظه: «طَاف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى رَاحِلَته الْقَصْوَاء يَوْم الْفَتْح، واستلم الرُّكْن بِمِحْجَنِهِ». وَهُوَ حَدِيث طَوِيل، وَفِي الْأُم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف طواف الْقدوم عَلَى عقبه». وَفِي الْمَاوَرْدِيّ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف مرّة فِي عمره طواف الْإِفَاضَة رَاكِبًا».

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَأَ بالحَجَرِ فاستلمه، وفاضت عَيناهُ من البُكاء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من رِوَايَة أبي جَعْفَر محمدِ بن عَلّي بن الْحُسَيْن، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «دَخَلنَا مَكَّة عِنْد ارْتِفَاع الضُّحَى، فَأَتَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاب الْمَسْجِد، فَأَنَاخَ رَاحِلَته، ثمَّ دخل الْمَسْجِد، فَبَدَأَ بِالْحجرِ فاستلمه وفاضت عَيناهُ بالبكاء، ثمَّ رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا حَتَّى فرغ، فلمّا فرغ قبَّل الحَجَرَ، وَوضع يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَمسح بهما وَجهه». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. أَي: فِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق مُتَابعَة لَا اسْتِقْلَالا، لكنه عنعن فِيهِ وَهُوَ مُدَلّس.
قلت: وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر ذكرته فِي أَحَادِيث الْمُهَذّب.

.الحديث الثَّانِي بعد الْعشْرين:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ- وَهُوَ يطوف بالركن-: «إِنَّمَا أَنْت حَجَر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رأيتُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبِّلُك لَمَا قبَّلْتُك، ثمَّ تقدم فقبَّله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَلَفظ البُخَارِيّ: «أَن عمر قبَّل الحَجَرَ وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله يقبِّلك مَا قبَّلْتُك». وَلَفظ مُسلم: عَن ابْن عمر قَالَ: «قبَّل عمرُ بْنُ الْخطاب الحَجَرَ، ثمَّ قَالَ: أما واللّهِ لقد علمتُ أَنَّك حَجَر، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبِّلك مَا قبَّلتك». وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن عبد الله بن سرجس الصحابيِّ قَالَ: «رَأَيْت الأَصْلع- يَعْنِي: عمر بن الْخطاب- يُقبِّل الحَجَر وَيَقُول: واللَّهِ إِنِّي لأُقَبِّلُك، وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّك حَجَر وَأَنَّك لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبِّلك مَا قبَّلتك» وَفِي رِوَايَة لَهُ وللبخاري عَن عَابس- بِالْبَاء الْمُوَحدَة- بن ربيعَة التَّابِعِيّ قَالَ: «رَأَيْت عمر يُقبِّل الْحجر وَيَقُول: إِنِّي لأقبلك وَإِنِّي لأعْلم أَنَّك حجر، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبلك لم أقبلك». وَفِي رِوَايَة لمُسلم عَن سُوَيْد بن غَفلَة- بِفَتْح الْغَيْن وَالْفَاء- قَالَ: «رَأَيْت عمر قبَّل الحَجَرَ وَالْتَزَمَهُ، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بك حفيًّا». وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: «حجَجنَا مَعَ عمر بن الْخطاب، فَلَمَّا دخل الطّواف اسْتقْبل الْحجر فَقَالَ: إِنِّي أعلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَّلك مَا قبَّلتك. ثمَّ قَبَّله». والْحَدِيث فِيهِ طول، ذكرتُه برمَّتِهِ فِي تخريجي لأحاديث الْوَسِيط، فراجِعْهُ مِنْهُ.
تَنْبِيه: إِنَّمَا قَالَ عُمَرُ مَا قَالَ ليسمع ذَلِك الناسُ مِنْهُ ويشيع بَينهم، وَقد كَانَ عَهْدُ كثيرٍ مِنْهُم قَرِيبا بعبادةِ الْأَحْجَار وتعظيمها، واعتقاد نَفعهَا وضرها، فخاف أَن يغتر بَعضهم بذلك فَقَالَ مَا قَالَ.

.الحديث الثَّالِث بعد الْعشْرين:

عَن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسْتَلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ والحَجَرَ الْأسود فِي كل طوفةٍ، وَلَا يسْتَلم الرُّكْنَيْنِ اللَّذين يليان الْحجر».
هَذَا الحَدِيث أخرجه الشَّيْخَانِ من هَذَا الْوَجْه، وَلَفظ البُخَارِيّ: «لم أَرَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم من الْبَيْت إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانيين». وَلَفظ مُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يسْتَلم إِلَّا الحَجَرَ والركنَ الْيَمَانِيّ». وَفِي رِوَايَة لَهما: قَالَ ابْن عمر: «مَا تركتُ استلام هذَيْن الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيّ وَالْحجر الْأسود مُنْذُ رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يستلمهما بِيَدِهِ». وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا عَنهُ أَنه قَالَ حِين بلغه حَدِيث عَائِشَة السَّابِق «لَوْلَا أَن قَوْمك حَدِيث عهدٍ بكفرٍ...» الحَدِيث، قَالَ ابْن عمر: «لَئِن كَانَت عَائِشَة سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أرَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك استلام الرُّكْنَيْنِ اللَّذين يليان الحَجَرَ، إلاَّ أَن الْبَيْت لم يتم عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم». وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَنهُ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يسْتَلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر فِي كل طوفةٍ، وَكَانَ عبد الله بْنُ عمر يَفْعَله». قَالَ الْمُنْذِرِيّ: إِسْنَاد حسن. وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حجاج عَن عَطاء وَابْن أبي مُليكة وَعَن نَافِع عَن ابْن عمر: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل مَكَّة اسْتَلم الْحجر الْأسود والركن الْيَمَانِيّ، وَلم يسْتَلم غَيرهمَا من الْأَركان».

.الحديث الرَّابِع بعد الْعشْرين:

عَن أبي الطُّفَيْل رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف بِالْبَيْتِ عَلَى بعيرٍ، ويستلم الرُّكْن بمحجنٍ، وَيقبل المحجن».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم، وَقد سبق بِلَفْظِهِ قَرِيبا، وَلم أر فِيهِ ذكر الْبَعِير. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهِ، وَهَذَا لَفظه عَن أبي الطُّفَيْل: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يطوف بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَته، ويسْتَلم الرُّكْن بِمِحْجَنِهِ، ثمَّ يقبّله». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «ثمَّ خرج إِلَى الصَّفَا والمروة فَطَافَ سبعا عَلَى رَاحِلَته».
فَائِدَة:
المِحْجَن- بميم مَكْسُورَة، ثمَّ حاء مُهْملَة، ثمَّ جِيم مَفْتُوحَة، ثمَّ نون- عَصَى معقفةُ الرأسِ.

.الحديث الخَامِس بعد الْعشْرين:

عَن عبد الله بن السَّائِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي ابْتِدَاء الطّواف: بِسم الله واللَّهُ أكبر، اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك، وَتَصْدِيقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنَّة نبيك مُحَمَّد».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، لَا يحضرني من خرجه مَرْفُوعا بعد الْبَحْث عَنهُ، وَذكره صَاحب المهذَّب من رِوَايَة جَابر، وَلم يعزه الْمُنْذِرِيّ، وَلَا النَّوَوِيّ فِي شَرحه، وَلَا صَاحب الإِمام وَرَوَاهُ ابْن نَاجِية فِي فَوَائده بِإِسْنَاد غَرِيب عَنهُ؛ رَوَاهُ عَن صباح بن مَرْوَان أبي سهل، نَا عبد الله بن سِنَان الزُّهْرِيّ، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن عليّ بن حُسَيْن، عَن جَابر بن عبد الله: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَضَى إِلَى الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر، وكبَّر فاستلم ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ وَفَاء بعهدك، وَتَصْدِيقًا بكتابك. قَالَ جَابر: وأمرنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نقُول: وَاتِّبَاع سنَّة نبيك». قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه لأحاديث المهذَّب: هَذَا مُخْتَصر من حَدِيث جَابر فِي الْمَنَاسِك، وَهُوَ غَرِيب من هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَفِي كتاب الْقرى لِلْحَافِظِ محب الدَّين الطَّبَرِيّ أَن الشَّافِعِي أخرج عَن سعيد بن سَالم، عَن ابْن أبي نجيح قَالَ: أُخْبرت أَن بعض أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَا رَسُول الله، كَيفَ نقُول إِذا استلمنا؟ قَالَ: قُولُوا: بِسم الله، واللَّهُ أكبر، إِيمَانًا بِاللَّه، وَتَصْدِيقًا لإجابة محمدٍ». وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ عَن عليّ مَوْقُوفا: «أَنه كَانَ إِذا مَرَّ بِالْحجرِ الْأسود فَرَأَى عَلَيْهِ زحامًا استقبله وكبَّر، وَقَالَ: اللَّهُمَّ تَصْدِيقًا بكتابك وَسنة نبيك». وَفِي رِوَايَة لَهُ عَنهُ «أَنه كَانَ يَقُول إِذا اسْتَلم الْحجر: اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك، وَتَصْدِيقًا بكتابك، واتباعًا لسنَّة نبيك مُحَمَّد». ومدارها وَالَّتِي قبلهَا عَلَى الْحَارِث الْأَعْوَر، وحالته سلفت. وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل، عَن ابْن عُليَّة عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: «أَنه كَانَ إِذا اسْتَلم الْحجر قَالَ: بِسم الله، وَالله أكبر». وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَرَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه أطول من هَذَا، وَهَذَا لَفظه: «كَانَ ابْن عمر إِذا أَرَادَ أَن يسْتَلم يَقُول: اللَّهُمَّ إِيمَانًا بك، وَتَصْدِيقًا بكتابك وسنَّة نبيك. ثمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ يستلمه». وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن مهَاجر عَن نَافِع، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه. وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: «يَا عمر، إِنَّك رجل قوي، لَا تُزاحم عَلَى الْحجر فتؤذي الضَّعِيف، إِن وجدت خلْوَة فاستلمه، وَإِلَّا فَاسْتَقْبلهُ وهلِّل وكبِّر». وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم اضطبع، فاستلم وكبَّر، ثمَّ رمل ثَلَاثَة أطواف».
وَاعْلَم أَن الرافعَّي رَحِمَهُ اللَّهُ بعد أَن ذكر أنواعًا من الْأَدْعِيَة قَالَ: وَلَا بَأْس بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِي الطّواف، بل هِيَ أفضل من الدُّعَاء الَّذِي لم يُؤثر، وَالدُّعَاء الْمسنون أفضل مِنْهَا تأسيًا برَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. هَذَا كَلَامه، وَأَشَارَ إِلَى الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْأَدْعِيَة فِي الطّواف، وأمثلها حَدِيث عبد الله بن السَّائِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الطّواف مَا بَين الرُّكْنَيْنِ: {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار}». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه كَذَلِك، والنسائيُّ وَقَالَ: «بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر» وابنُ حبَان فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَقَالَ: «بَين ركن بني جمح والركن الْأسود» وأحمدُ فِي مُسْنده كَذَلِك، وَكَذَا الشَّافِعِي، وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد كَالنَّسَائِيِّ، قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَقَالَ فِي كتاب التَّفْسِير من مُسْتَدْركه: إِنَّه حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله قَالَ أبي: هَكَذَا صَوَاب هَذَا الحَدِيث: عبد الله بن السَّائِب.
وَأَخْطَأ أَبُو نعيم فَقَالَ: السَّائِب بن عبد الله. وَقَالَ البخاريُّ أَيْضا فِي تَارِيخه: إِنَّه وهْم. وَأما ابْن الْقطَّان فَإِنَّهُ أَعَلَّه بِأَن قَالَ: رَوَاهُ يَحْيَى بن عبيد، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن السَّائِب، ووالد هَذَا لَا يُعرف لَهُ حَال، وَلَا يُعرف بِغَيْر رِوَايَة ابْنه يَحْيَى عَنهُ، وَابْنه يَحْيَى أَيْضا لَا يُعرف رَوَى عَنهُ غيرُ ابْن جريج، وَلَكِن قد قَالَ فِيهِ النسائيُّ: إِنَّه ثِقَة. فاللَّهُ أعلم إِن كَانَ كَذَلِك، فَإِن تَعْدِيل غير المعاصر وتجريحه فِيهِ نظر. هَذَا كَلَامه، وعبيد ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته، وَكَذَا وَلَده وَقَوله: «إِن يَحْيَى لَا يعرف رَوَى عَنهُ غير ابْن جريج» لَيْسَ كَمَا ذكر؛ فقد رَوَى عَنهُ أَيْضا وَاصل مولَى أبي عُيَيْنَة، ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته فِي تَرْجَمَة يَحْيَى وَأخرج حَدِيثه، وَقد صحَّح ابنُ الْقطَّان غير مَا حديثٍ ضعفها أَبُو مُحَمَّد، وَاعْتمد فِي تصحيحها عَلَى تَوْثِيق غير المعاصر:
مِنْهَا: حَدِيث جسرة بنت دجَاجَة الراوية عَن عَائِشَة حَدِيث «لَا أُحل المسجدَ لحائضٍ وَلَا جُنُب» السالف فِي الغُسل، ردَّ عبدُ الْحق حَدِيثهَا، وصحَّحَه ابنُ الْقطَّان لقَوْل الْعجلِيّ: إِنَّهَا تابعية ثِقَة.
وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء بَين الرُّكْنَيْنِ: اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رزقتني، وَبَارك لي فِيهِ، واخلف عليَّ كل غائبةٍ لي بخيرٍ». رَوَاهُ ابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، فَإِنَّهُمَا لم يحْتَجَّا بِسَعِيد بن زيد أخي حَمَّاد بن زيد.
قلت: قد احْتج بِهِ مُسلم، ووثَّقه البخاريُّ عَلَى مَا نَقله ابْن الجوزيّ عَنهُ، وَوَثَّقَهُ أَيْضا غير البخاريّ، وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِهِ بَأْس نعم ضعَّفَه يَحْيَى الْقطَّان، وَقَالَ السعديُّ: يضعفون حَدِيثه وَلَيْسَ بحُجة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من طَاف بِالْبَيْتِ سبعا وَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بسبحان الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، مُحِيَتْ عَنهُ عشرُ سيئات، وكتبتْ لَهُ عشر حسناتٍ، وَرفعت لَهُ بهَا عشر درجاتٍ، وَمن طَاف فَتكلم فِي تِلْكَ الْحَال خَاضَ فِي الرَّحْمَة بِرجْليه كخائض المَاء برجليه». رَوَاهُ ابْن مَاجَه بإسنادٍ ضَعِيف، كَمَا أوضحته فِي تخريجي لأحاديث المهذَّب، وَفِي أوَّله: «وكِّلَ بِهِ- يَعْنِي: الرُّكْن الْيَمَانِيّ- سَبْعُونَ ملكا، فَمن قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة، وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة، وقِنَا عَذَاب النَّار قَالُوا: آمين».

.الحديث السَّادِس بعد الْعشْرين:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «لمَّا قَدِم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة لعُمرة الزِّيَارَة؛ قَالَت قُرَيْش: إِن أَصْحَاب محمدٍ قد أوهنتهم حمى يثرب. فَأَمرهمْ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بالرَّمَل والاضطباع ليري الْمُشْركين قوتَّهم، فَفَعَلُوا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «قَدِم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصحابُه مكةَ وَقد وهنتهم حمى يثرب. فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِنَّه يَقْدُم عَلَيْكُم غَدا قوم قد وهنتهم الحمَّى، ولقوا مِنْهَا شدَّة. فجلسوا مِمَّا يَلِي الْحجر، وَأمرهمْ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرملوا ثَلَاثَة أَشْوَاط، ويمشوا مَا بَين الرُّكْنَيْنِ ليرَى الْمُشْركُونَ جلدهمْ، فَقَالَ الْمُشْركُونَ- زَاد البُخَارِيّ-: هَؤُلَاءِ الَّذين زعمتم أَن الْحمى قد وهنتهم، هَؤُلَاءِ أجْلَدُ من كَذَا وَكَذَا» وَقَالَ ابْن عَبَّاس: «وَلم يمنعهُ أَن يَأْمُرهُم أَن يرملوا الأشواط كلهَا إِلَّا الْإِبْقَاء عَلَيْهِم». وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِنَّمَا سَعَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَيْتِ ليرَى الْمُشْركُونَ قوته». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «لما قَدِمَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لعامه الَّذِي استأمن فِيهِ، قَالَ: ارملوا؛ ليُرِي الْمُشْركين قوتهم، وَالْمُشْرِكُونَ من قبل قعيقعان». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم مَكَّة، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يطوفوا بِالْبَيْتِ من الهزال. فَكَانُوا يحسدونه، قَالَ فَأَمرهمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرملوا ثَلَاثًا ويمشوا أَرْبعا». وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «إِن هَؤُلَاءِ أجلدُ منَّا». وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد قَالَ أَبُو الطُّفَيْل: وَأَخْبرنِي ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام فعل ذَلِك فِي حجَّة الْوَدَاع». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَأطلع الله نَبِيَّهُ عَلَى مَا قَالُوا؛ فَأَمرهمْ بذلك» وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اضطبع، فاستلم وكبَّر، ثمَّ رمل ثَلَاثَة أطوافٍ، فَكَانُوا إِذا بلغُوا الرُّكْن الْيَمَانِيّ وتغيبوا من قُرَيْش مَشوا، ثمَّ يطلعون عَلَيْهِم يرملون، فَتَقول قُرَيْش: كَأَنَّهُمْ الغزلان. قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكَانَت سُنَّة».
فَائِدَة:
الحِجْر السالف فِي الحَدِيث: هُوَ بِكَسْر الْحَاء.
وقعيقعان: هُوَ الْجَبَل المطل عَلَى مَكَّة.

.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «فيمَ الرَّمَل الْآن وَقد نَفَى الله الشركَ وأهلَه، وأعز الْإِسْلَام وَأَهله؟! إِلَّا أَنِّي لَا أحب أَن أَدَعَ شَيْئا كُنَّا نفعله عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه من رِوَايَة أسلم، قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: «فيمَ الرّملان والكشف عَن المناكب وَقد أَطَأ الله الْإِسْلَام، وَنَفَى الكفرَ وأهلَه؟! لَكِن مَعَ ذَلِك لَا نَدع شَيْئا كُنَّا نفعله عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فِي سنَنه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت عُمَرَ يَقُول: «فيمَ الرّملان الْآن وَقد أطَّأ الله الْإِسْلَام، وَنَفَى الكفرَ وَأَهله؟! وايْمُ الله، مَا نَدَعُ شَيْئا كُنَّا نفعله عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي سنَنه بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أسلم «أَن عُمَرَ قَالَ للركن: أَمَا واللَّهِ إِنِّي لأعْلم أَنَّك حجر لَا تضر وَلَا تَنْفَع، وَلَكِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم استلمك، وَأَنا أستلمك. فاستلمه وَقَالَ: مَا لنا وللرمل؛ إِنَّمَا راءينا بِهِ الْمُشْركين، وَقد أهلكهم الله؟! ثمَّ قَالَ: شَيْء صنعه رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَلَا نحب أَن نتركه. ثمَّ رمل». ثمَّ قَالَ البيهقيُّ: رَوَاهُ البخاريُّ فِي صَحِيحه. وَهُوَ كَمَا قَالَ بِدُونِ لَفْظَة: «رمل» وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه أَيْضا عَن أسلم قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: «فيمَ الرملان الْآن والكشف عَن المناكب، وَقد أَضَاء الله الْإِسْلَام، وَنَفَى الْكفْر وَأَهله؟! وَمَعَ ذَلِك لَا نَتْرُك شَيْئا كُنَّا نصنعه مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده بِلَفْظ أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يُرْوى إِلَّا عَن عُمَرَ بِهَذَا الْإِسْنَاد.
فَائِدَة: قَوْله فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: «أَطَّأَ الله الْإِسْلَام» قَالَ المُحِبُّ فِي أَحْكَامه: إِنَّمَا هُوَ «وطَّأ» أَي: ثَبَّتَهُ وأَرْسَاهُ، وَالْوَاو قد تبدل ألفا، وَرَأَيْت فِي نُسْخَة قديمَة من ابْن مَاجَه: «أَطَالَ» بِاللَّامِ.
وَقَوله: «الرملان» قَالَ الْحَرْبِيّ: هُوَ بِكَسْر النُّون تَثْنِيَة الرَّمَل فِي الطّواف، وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة، وَلم يُقَلْ: «السعيان» تَغْلِيبًا للأخف كالقمرين والعمرين. وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا هُوَ بِضَم النُّون، مصدر رمل، فكثيرًا مَا يَجِيء الْمصدر عَلَى هَذَا الْوَزْن، خُصُوصا فِي أَنْوَاع الْمَشْي وَالْحَرَكَة كالرَّسَفان فِي مشي المُقَيَّد، واللوذان والنَّزَوان والسَّيلان فِي أشباهٍ لَهَا، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى وَغَيره.

.الحديث الثَّامِن بعد الْعشْرين:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قدم مَكَّة أَتَى الْحجر فاستلمه، ثمَّ مَشَى عَلَى يَمِينه، فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه بِهَذَا اللَّفْظ كُله.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رمل من الْحجر إِلَى الْحجر ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث ابْن عمر، وَاللَّفْظ لإحدى روايتي مُسلم، وَلَفظ البخاريِّ وَمُسلم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى-: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا طَاف بِالْبَيْتِ الطّواف الأوَّل خبَّ ثَلَاثًا ومشي أَرْبعا» وَمَعْنى خَبَّ: رمل. وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «أَن ابْن عمر رمل من الْحجر إِلَى الْحجر، وَذكر أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل ذَلِك». وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِلَفْظ: «أَن ابْن عمر كَانَ يرمل ثَلَاثًا وَيَمْشي أَرْبعا، وَيَزْعُم أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَفْعَله، وَكَانَ يمشي مَا بَين الرُّكْنَيْنِ» وَإِنَّمَا كَانَ يمشي بَينهمَا ليَكُون أيسر لاستلامه. وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سَعَى ثَلَاثَة أطواف وَرمل أَرْبَعَة» ثمَّ قَالَ: صَحِيح. وَفِيه نظر؛ فَإِن فِيهِ عبد الله بن نَافِع وَقد ضُعِّفَ. وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رمل من الْحجر الْأسود حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ ثَلَاثَة أطواف». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام رمل الثَّلَاثَة الأطواف من الْحجر إِلَى الْحجر». هَكَذَا الرِّوَايَة: «الثَّلَاثَة الأطواف»، وَهُوَ جَائِز، وَإِن كَانَ أَكثر أهل الْعَرَبيَّة يبطلونه، وَقد جَاءَت لَهُ نَظَائِر فِي الصَّحِيح. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد مُسلم من حَدِيث جَابر بِلَفْظ الرَّافِعِيّ سَوَاء، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس كَذَلِك. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث عبيد الله بن أبي زِيَاد- وحالته مُخْتَلف فِيهَا- قَالَ: سمعنَا أَبَا الطُّفَيْل يحدِّث: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رمل ثَلَاثًا من الْحجر إِلَى الْحجر».
فَائِدَة: حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَرِيبا فِيهِ عدم اسْتِيعَاب الْبَيْت بالرمل، وَالْأَحَادِيث الَّتِي ذَكرنَاهَا مُخَالفَة لَهُ، وَيجمع بَينهمَا بِأَن حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَرِيبا كَانَ فِي عمْرَة الْقَضَاء سنة سبع من الْهِجْرَة قبل الْفَتْح، وَكَانَ أَهلهَا مُشْرِكين حِينَئِذٍ، وَهَذِه الْأَحَادِيث كَانَت فِي حجَّة الْوَدَاع سنة عشر من الْهِجْرَة، فَتعين الْأَخْذ بهَا لتأخرها.
فَائِدَة: الرَّمَل: بِفَتْح الرَّاء وَالْمِيم، وَهُوَ: سرعَة الْمَشْي مَعَ تقَارب الخطا، وَهُوَ الخبب، وَمن قَالَ: إِن الرمل دون الخبب. فَهُوَ غالط.